قبل أن نكون قومًا عبرة بقلم عبد الفتاح موسي

لم آتِ اليوم لأحدّثكم عن عذاب القبر أو أهوال يوم القيامة، ولم أجيء لأجعل من كل مشهد طبيعي مناخي منبرًا للرعب والخوف، بل جئتُ والرجفة تسبقني، والخوف يلمس قلبي… لا من قدرة الله، بل من قسوة قلوبنا التي لم تعد تهتز!
نحن نعلم جميعًا، يقينًا لا شك فيه، أن الله هو الرحمن الرحيم، الغفور الودود، لكنه أيضًا شديد العقاب، ذو البطش الشديد، وأن بطشه إذا حلّ، لا يرده شيء.
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: 25]
حين تصرخ الأرض غضبًا بأمر ربها
العاصفة التي ضربت الإسكندرية، والزلازل التي أرعبت بلادًا شتى، والانفجارات البركانية، والفيضانات، والنيران التي تلتهم الغابات والقرى…
كلها آيات، إشارات ربانية، صفعات، لعلنا ننتبه.
﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: 59]
نحن لا نعيش “ظاهرة طبيعية” عابرة، بل نمرّ في زمنٍ يتحدث فيه الكون بأمر من الله، بعدما سكتت ضمائرنا.
﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ﴾ [العنكبوت: 40]
ولكن، وبكل أسف، تزلزلت بنا الأرض، ثم استيقظنا في اليوم التالي وكأن شيئًا لم يكن!
أي قلوب هذه التي لا ترتجف؟
أي عيون هذه التي لا تدمع؟
أي ألسنة هذه التي لا تنطق بـ”يا رب”؟
من انحراف القلوب… تبدأ الكارثة
المشهد يا عزيزي ليس وليد اليوم. بل بدأ حينما صار قتل النفس أمرًا معتادًا، لا يهز ضميرًا ولا يثير خجلًا.
حين يُقتل المسلم، ومسلمون آخرون يناصرون القاتل باسم السياسة أو المصلحة.
حينما ابتعدنا تدريجيًّا عن الحلال والحرام، واستسهلت قلوبنا المعصية تحت مظلة “التقدّم والتطوّر”، وصرنا نقلّد الغرب في كل ضلال، كبيرًا كان أو صغيرًا، دون أن نرجع إلى أنفسنا أو نحتكم إلى عقيدتنا، لنسأل: هل يرضى الله عنا بهذا؟
حين تنطق الأرض بالغضب، وتثور الطبيعة، وتنهار البيوت، ونرى ذلك على شاشاتنا… ثم نغير القناة دون أن تهتز قلوبنا.
لسنا أنبياء، ولا أولياء، ولا أوصياء على أحد… نحن فقط خائفون.
خائفون من أن نصبح قومًا عبرة.
من أن يغضب الله فلا يُمهلنا.
من أن تُختم على قلوبنا، فلا نعود نسمع ولا نبصر.
جئتُ اليوم فقط لأذكّر نفسي -قبل أن أذكّركم -أن نستغل هذه الأيام المفترجة، ونلوذ برحمة الله التي لا حدود لها.
أذكّر نفسي ونفسك بالآية الكريمة، والوعد الإلهي الذي يريح القلوب ويحيي الرجاء:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53]
وأذكّرك أن نفرّ من عقاب الله إلى الله، كما أمرنا ربّنا:
﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ [الذاريات: 50]