بترول

مصر على أعتاب ذروة جديدة في إنتاج الغاز و12 تريليون قدم مكعبة من المتوسط بانتظار الحفر

تقرير: أسامه سامح شحاته 

في الوقت الذي تتجه فيه تقارير بحثية عالمية إلى توقع ذروة الطلب على النفط في أوائل ثلاثينيات القرن الحالي (2030)، تتسارع الخطى داخل مصر لتأمين موقعها الاستراتيجي في خريطة الطاقة العالمية عبر تعظيم الاستفادة من موارد الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، وهو ما يعكس رؤية الدولة في التحول نحو مزيج طاقة أكثر استدامة يعتمد على الغاز كوقود انتقالي رئيسي

حملة حفر هي الأكبر في تاريخ المتوسط

تشهد مصر استعدادات مكثفة لإطلاق واحدة من أضخم حملات الحفر والتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، باستثمارات كبيرة وتشارك فيها شركات الطاقة العالمية الكبرى مثل “إيني” الإيطالية و”بي بي” البريطانية.

ويستهدف بحسب تصريح وزير البترول والثروة المعدنية المهندس كريم بدوي- حفر 14 بئرًا استكشافية خلال عام 2026، بإجمالي احتياطيات متوقعة تصل إلى 12 تريليون قدم مكعبة من الغاز، ما يُعد دفعة قوية لتأمين احتياجات السوق المحلية وزيادة الصادرات إلى أوروبا

وأكد الوزير، خلال ظهوره في برنامج “بتروكاست”، أن الوزارة تستهدف رفع إنتاج الغاز المصري إلى ما بين 6.4 و6.6 مليارات قدم مكعبة يوميًا خلال خمس سنوات، مع التركيز على إدخال المشروعات الجديدة إلى مرحلة الإنتاج بأسرع وقت ممكن لضمان استقرار منظومة الكهرباء وتقليل الواردات من الوقود السائل.

استثمارات ضخمة وثقة متزايدة

 

تُعد الحملة المرتقبة جزءًا من إستراتيجية متكاملة لتطوير قطاع الغاز المصري وتحويله إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة.

وقد تمكنت وزارة البترول خلال الأشهر العشرة الماضية من خفض المتأخرات المستحقة للشركاء الأجانب إلى أقل من النصف، مع الانتظام الكامل في سداد الفواتير الشهرية، ما عزز الثقة الدولية وجذب المزيد من الاستثمارات.

وفي هذا الإطار، أشار الوزير كريم بدوي إلى أن مصر تمتلك الآن 3 سفن لإعادة التغويز جاهزة للتشغيل الكامل، وسفينة رابعة في الأردن، بالإضافة إلى 3 أرصفة رئيسية في العين السخنة بطاقة إجمالية تصل إلى 2.25 مليار قدم مكعبة يوميًا، ما يمنح الشبكة القومية مرونة عالية في مواجهة أي اضطرابات في الأسواق العالمية.

القطاع الخاص يدخل بقوة

 

لم تقتصر الجهود على الشركات الحكومية، بل شهدت الفترة الأخيرة مشاركة نشطة من القطاع الخاص. فقد أعلنت شركة دانة غاز الإماراتية عن نجاحها في حفر 3 آبار جديدة في مصر باستثمارات تبلغ 100 مليون دولار، منها بئرا “بيجونا 2” و”سلمى دلتا 6”، اللتان تضمان احتياطيات تقدر بـ 15 مليار قدم مكعبة من الغاز، مع إمكانات إضافية تصل إلى 3 مليارات قدم مكعبة.

ومن المنتظر أن تبدأ الشركة إنتاج هذه الآبار بمعدل يومي يتراوح بين 10 و12 مليون قدم مكعبة من الغاز قبل نهاية عام 2025، مما يعزز من مساهمة القطاع الخاص في دعم منظومة الغاز الوطنية.

كما أعادت الشركة استكمال 3 آبار إضافية أضافت نحو 6.3 مليار قدم مكعبة جديدة إلى الاحتياطيات، وهو ما يساعد على تعويض التراجع الطبيعي في الإنتاج ويضمن استدامة الإمدادات.

أثر اقتصادي مباشر

من المتوقع أن تحقق هذه المشروعات وفورات مالية تتجاوز المليار دولار سنويًا من خلال خفض واردات الغاز المسال والمازوت، بما يعزز ميزان المدفوعات المصري ويدعم استقرار الجنيه، فضلًا عن زيادة فرص التصدير للأسواق الأوروبية الباحثة عن بدائل آمنة ومستقرة للطاقة الروسية.

كما تُسهم هذه الطفرة في تعزيز مكانة مصر كأحد أبرز منتجي ومصدّري الغاز في منطقة شرق المتوسط، إلى جانب دورها المحوري في منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) الذي يضم دول المنطقة كشركاء إستراتيجيين في رسم مستقبل الطاقة الإقليمي.

 مصر تتحرك في توقيت مثالي

 

حيث أن تحرك مصر في هذا التوقيت يحمل ذكاءً استراتيجيًا بالغًا؛ ففي الوقت الذي تبدأ فيه الأسواق العالمية التحول بعيدًا عن النفط تدريجيًا، يتزايد الطلب على الغاز الطبيعي باعتباره وقودًا نظيفًا ومنخفض الانبعاثات يمثل الجسر نحو عصر الطاقة المتجددة.

 وأن الاستثمار في الغاز الآن يعني تحقيق عوائد اقتصادية سريعة خلال العقد الحالي، قبل أن يبلغ العالم ذروة الطلب على النفط والغاز بحلول 2030 وفق تقديرات الوكالة الدولية للطاقة (IEA)، مع استمرار الحاجة إلى الغاز كمصدر رئيس للكهرباء والصناعة والبتروكيماويات.

نحو مركز إقليمي للطاقة

تتلاقى هذه الجهود مع خطة وزارة البترول والثروة المعدنية لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة عبر تطوير الموانئ ومحطات الإسالة في إدكو ودمياط، وتوسيع قدرات النقل والتخزين، وهو ما يجعل البلاد نقطة عبور رئيسة لإمدادات الغاز نحو أوروبا وآسيا.

كما تتناغم هذه الخطط مع رؤية الدولة 2030 التي تركز على تحقيق التنمية المستدامة، وتكامل قطاعي الطاقة والصناعة في بناء اقتصاد قادر على مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية المقبلة

وفي النهاية وبينها يستعد العالم لمرحلة “ما بعد النفط”، تمضي مصر بخطى واثقة لترسيخ مكانتها كقوة إقليمية في الغاز الطبيعي والطاقة النظيفة. ومع حفر 14 بئرًا جديدة باحتياطيات تصل إلى 12 تريليون قدم مكعبة، فإن العقد القادم قد يكون عقد الغاز المصري بامتياز وتحيا مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!