بترول

العصفور والعنقاء بقلم شيماء محمد

في فجرٍ تهادى فيه الضياء، وتثاءبت الأرض تحت عباءة السماء، خرج عصفورٌ صغير من عشه الهش، بقلبٍ نابضٍ بالرجاء، وجناحين لا زالا يرتجفان من المساء.

كان هشًّا كحلمٍ في عيون النائمين، نقيًّا كأمنيةٍ في صدور الطيبين، يحدّق في الفضاء البعيد، لا يعلم ما ينتظره من صيدٍ وصيّادٍ ووعيد.

 

رآه الصقر من علو، فزمجر في خلده: “غنيمتي اليوم طرية، لا مخلبها قويّ، ولا طيرانها نديّ.”

وانقضّ عليه كريحٍ مجنونة، لكن العصفور انزلق بين الغصون، واختبأ في حضن الزيتون.

ثم لم يلبث أن واجه الغراب، الذي ضحك وقال: “إلى أين تطير يا صغير؟ هذا العالم لا يرحم الضعيف الحقير.”

لكن العصفور، رغم الخوف، سأل الغراب: “وهل كنت يومًا قويًّا أم أنك تعلّمت؟”

فأجابه الغراب بسخرية: “كنا نولد مظلمين، لا نور فينا ولا حلم، لا تسأل كثيرًا… الطيران لا يصنعه الكلام.”

 

ومن شجرةٍ إلى صخرة، ومن ظلٍ إلى شمس، تاه العصفور، وسكنه الهمس…

لكن في طريقه، قابل الهدهد، ذلك الحكيم ذو الريش الزاهي والكلام الساحر، فقال له:

“يا صغير، من أراد العُلا، صبر على البُكا. واذا أردت الحياة، فأجعل قلبك يصبر على الشكوى.”

 

أكمل العصفور الطريق، وكل لقاء كان يعلّمه حرفًا، وكل جُرحٍ كان يكتب له سطرًا…

 

وذات ليلةٍ مقمرة، تسلّل العصفور إلى شجرةٍ عظيمة، لا يُسكنها إلا الصمت، ولا يزورها إلا من ضلّ الطريق أو أراد الحقيقة.

ومن بين الأغصان، انبثقت البومة، عيناها كمرآتين مظلمتين، وصوتها رخيم كأنّه يُنذر أو يُبشّر.

 

قالت له:

“أهلاً أيها الساعي في الريح، الباحث عن المعنى والجناح. ما الذي ترجوه من الطيران إن لم تعرف وجهتك؟”

فقال:

“أطير هربًا من الخوف، من الجوارح، من نفسي التي لا تعرف نفسها.”

فقالت البومة:

“ليس كل طائرٍ يطير يكون حرًّا، بعضهم يطير في أقفاصٍ من وهم، وبعضهم لا يُولد إلا ليشتعل… أما أنت، فإنك لا تهرب، بل تُنضَج.”

 

أغمضت عينيها، وتمتمت بكلماتٍ لم يفهمها، ثم طارت، تاركة خلفها سؤالاً بلا جواب…فلم يفتك بك الصقور ولم تؤثر بك الغربان بل ارشدك الهدهد واستمعت وهنا على شجرتى قد ايقنت ..

ورأيت ان الوقت لك قد حان..فانت لست عصفور هذا الزمان..

 

وفي فجرٍ لم يكن كغيره، والشمس تُولد من بين ضبابٍ كالرماد، سقط العصفور من الإعياء، بين جبلين من تعبٍ وسكوت.

وإذ بسربٍ ناريٍّ يشقّ السماء، تقوده العنقاء، لا تُشبه طيرًا من طيور الأرض، بل تشبه الأسطورة حين تتجسّد، أو الأمل حين يُولد من العدم.

 

نظرت إليه، ليس كمن يرى طائرًا صغيرًا، بل كمن يرى مراياه القديمة، وكأنها عرفت في نظراته ذاك البريق الذي لا يخفت، مهما اشتدت العواصف.

اقتربت منه، ومدّت جناحها الناريّ، فاحترق خوفه، وسكن صدرها كما يسكن الطفل أمّه.

 

همست له، لا بصوتٍ بل بروح:

“رأيت فيك ما لم يره أحد، لا لأنهم عُمي، بل لأنهم لم يبحثوا… أنت لست تابعًا في السرب، بل قائدٌ للغد.”

 

ثم رفعت جناحها الآخر، ولمسته في صدره، فتوهّج النور منه كما تتوهّج الجبال حين تلامسها الشمس، وقالت:

“يا من ذاق الهرب، والرفض، والخذلان، يا من سقط وقام، وخاف فواجه… أنت خليفتي.

أنت عنقاء هذا الزمان ، فلا تعُد لما كنت، ولا تنكر ما أصبحت.”

 

فطاف اللهب من عينيه، لا يحرق، بل يطهّر…

وانبثق جناحاه، لا كجناحي طير، بل كقصيدةٍ مجنّحة، كصوتٍ يحمل صدى جميع السقوطات التي لم تقتله… بل ولّدته.

 

كل الأجنحة تُحلّق،

لكن ليس كل طيرانٍ حرّ،

وكل ضربة تُصيب،

لكن ليس كل إصابةٍ نصر.

الريش وحده لا يصنع التحليق،

والألم وحده لا يصنع الخلود.

 

وحدهم من احترقوا بحبّهم، بخوفهم، بحلمهم…

هم من يتركون للسماء أثرًا،

ولكل جناحٍ، معنى.

 

فلا تدع الصقور تحوم حولك او الغربان تكسر عزمك، واستمع الى الحكماء دوما… وثق فى نفسك فإن صوت العقل خلقه الله ليقيك شر المخاطر .. وانك بإذن ربك دوماً فى تحقيق حلمك لقادر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!